‏‎ كانتْ أمّي تقول... / بقلم : مها ريا - سوريا

‏‎ 
كانتْ أمّي كلّما  ضحكتْ عيناها لأحدنا
تقول:‎
خيراً اللهمّ اجعلهُ خيراً ...
‏‎ولأنّني عشقتُ  ضحكاتِ عينيها  ، قرّرتُ أن أشتريَ بمصروفيَ المدرسيّ ، كلَّ ماأصادفهُ من  ضحكات . وكانت أُولاها ، ما  يتناثر من شفاهِ الأطفال والصّبايا ، كلّما مرّ الباعةُ المتجوّلون في أزقّة القرية  و همْ يُمسكون بأحلامهم التي تمّ تأجيلُها مدّةً من الزمن. 
  
‏‎مرّةً اشتريت ضحكةً مقابلَ الوقوف نصف يوم على ساقٍ واحدة بين نسوةٍ يتصبّبنَ عرقاً. 
‏‎كنت كلّما اشتريتُ ضحكةً، خبّأتها في جديلتي، حتّى إذا ماسَرّحتْها لي والدتي أرى بريقاً يشعّ من عينيها، فأمسكُ به ليحملني  على متنه حيثُ أشاء !

‏‎و في إحدى المرّات ، سرقتُ حُلمَها خلسةً ، عندما كانت  تقصّه على جارتنا 
‏‎كان الحلم:
‏‎ أنها رأت قمراً شقَّ الغيومَ الدّاكنة ، وظهر على شرفة بيتنا. 
‏‎أجابتها الجارة: 
‏‎خيراً إن شاء الله. 

‏‎في درس الإعراب ...
‏‎قال الأستاذ :
‏‎هاتوا لي جملةً مؤلّفةً من فعل وفاعل ومفعول به ..
‏‎قال تلميذ :
‏‎ضربَ الولدُ الكلبَ 
‏‎وقال آخر :
‏‎أكل الولد التّفاحة 
‏‎وآخر قال :
‏‎رمى الصّيّاد الشبكة
و آخر :
‏‎قصّ الحطّاب الشّجرة  ....
‏‎يصفّق التّلاميذ 
‏‎ويبتسم المعلّم 
‏‎وعندما قلتُ: 
‏‎مسكتْ البنتُ القمر َ
‏‎سخرَ التّلاميذ 
‏‎وقال المعلّم: 
‏‎نحنُ لا ندرّسُ الأحلامَ في المقرّرات! 

‏‎كبرتُ ، و لم تعدْ والدتي تسرّح جديلتي،
و لذا قصصْتُها و خبّأتها مع  حلمها الذي سرقتُ ، و كلّ الضّحكات التي اشتريتها ، و صرتُ أحفرُ الطّريق بأظافري.
 
‏‎ .......و أخيراً ، صرتُ بعمرِ أمّي ، و لم أوفّق برؤية حلمٍ كحلمها. 
‏‎ ولكنّني بقيتُ  أشتري الضّحكات، وعندما  أصبحتْ نادرةً ،  و ثمنُها باهظاً توقّفت...

‏‎أذكر آخر مرّة قايضتُ  ضحكةً ، بحلم أمّي و حفنة تراب  ،و ذلك في إحدى  محطّات العابرين .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

« إيكولاليا » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« بيت أمّي » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« موت مؤمّل » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق