البساط / بقلم : مها ريا - مدونة أقلام نابضة
من زمنٍ بعيد ، كلّما سَمعتُ مَنْ يردّد المثل :
(عَ قدّ بساطك مدّ رجليك ).
كانت تصطكُّ أسناني ببعضها، ويتقلّص حجمي حتّى يتلاشى ، لأنني لا أمتلكُ أصل المثل..!
ألا وهو البساط ، فماذا سأقول وأين سأضعُ بداية قدميّ؟
ذات صقيعٍ بدأت بتقطيع سلاسل الصّمت بأسناني التي لا تقوى على تقطيع لقمة خبزٍ يابسة ، عساني أستطيعُ أن ألقي بإحدى حلقاتها حول صخرةٍ فأدحرجها عن ظهر طريق ، وبعدها أمسّد إعوجاجه حتّى يستقيم ، ويحملني إلى حقول القصب ، أقصّ بعضاً من أعواده وأحيكُ بساطاً يتّسع لقدميّ اللتينِ لم تعرفا التوقف عن الاستطالة.
على الطّريق تناهى إلى مسمعيّ صفيرُ بلبلٍ يبثّ الشّجنَ فوق غصنٍ يابس .
سقطت السّلاسل ، وخرج صوتي المبحوح على شكل همهمات !
صار الفضاء واسعاً ، فتابعت المسير ، إلا أن ريحاً هوجاء ، دحرجتْ صخرةً ...فسقطتْ على
ساقيَّ و قصّتهما قبل أنْ أصل !
فزحفتُ إلى قرب شجرة و دفنتهما إلى جانب جذرها ، فحَنّتْ عليهما وعلّمتهما كيفية الامتداد بين مسامات التّراب.
فبدأتا تتغلغلان و تتغلغلان...، لتسحبا النّسغ من باطن الأرض ، وترفعاه إلى أعلى ورقة .
حتّى صارتْ أغصانُ الشّجرة كوخاً لِما تبقّى من جسدي ، وتجمّعُ الأوراقِ الذّابلة صار فراشاً ، فما حاجتي بعد للبساط !
صرتُ أحيكُ الخيوطَ المتسلّلة من أشعّة الشّمس بساطَ ريحٍ كالذي في الحكايا لأسافرَ فوقه ....
استقطب كوخي الزّوارَ ، حتّى صار محجّاً لضيوفٍ ، من مختلف الأدباء والفلاسفة والعلماء ، يجلسون بين كتبهم بشكلٍ أنيق لا يصدرون ضجيجاً و لا يُسمع لهم صوت ،
وطيور من مختلف الأصناف تتماوج أصواتها في الفضاء . فما حاجتي بعد ذلك للكلام!
أغلقتُ بابي بوجه رجالات الدّين والسّياسة لمعرفتي بدهائهم ، إلا أنّ أحدهم تسلّل خلسةً من بابٍ منسيّ ، وعندما رأيته ، عدتُ لتقليص حجمي لأتركَ بيننا مسافةَ أمان.... .
تعليقات
إرسال تعليق