حكايا شهرزادية - ماورائيات " حديثُ الأرواح " / بقلم : عائشة زاهر

حكايا شهرزادية - ماورائيات
حديثُ الأرواح

-قالت الروح المُنيفة :
"لماذا تقفين على ربوة سماء عالية، تُبدعين في العزف بنغمات ملائكية، فتجذبين إليك أطيافا و أرواحا قاصيةً ودانية.؟
ردّت عليها الروح الهائمة بسخرية:
" كنت أحسبكِ تعلمين! ؛ أنّي أنتظر أولئك الغابرين،القادمين من المجهول،الضّائعين بين أروقة هذا الكون الفسيح،التّائهين بين أرصفة العبور، قد تستقطبهم ترانيمي و يهتدون إلى ربوتي الآمنة، سأستقبلهم بالأحضان و التِّرحاب، وأهديهم سبيل الخير و الرشاد ؛ تلك هي  مهمتي السريّة و أعلم أنّك تعلمين ؛بيد أنّي لا أريد أن ألمح من بينهم أولئك الذّين طغوا واستطالوا ثمّ حافوا و مالوا ميلا شديدا ؛  سأشيح عنهم بناظري؛ وليتدبروا أمرهم مع أرواح تشبههم.
قالت لها الرّوح المُنيفة: "كيف لك أن تنتظري  أجسادا بالية و أرواحا مأفونة وطريدة؟
ردّت عليها الروح الهائمة : " كيف ذلك ؟  إليكِ عنّي، لا أعلم الجدوى من مكوثك معي، أَوَتستمدين النّور منّي  ونورك  هو أبهى و أزهى.؟!
و بعد بُرهة ازدحمت الأماكن بالمُقبلين عليها، أرواح صديقة كانت تائهة فطفقت تستقبلها بالزّهور و البخور، تمنحها زهرة، فتمنحها الأرواح شكرا و قبلة على الجبين، ترشدها إلى طريق النّور والخلاص، فبادرت الأرواح بالهتاف و تسابقت في الرّقص كالفراشات تتصاعد في موكب بهيج.
أمّا الأرواح الأخرى فقد كانت معظمها  بوجوه شاحبة، و كأنها انبثقت من سراب، تشبه أشباح الأبدية،كانت تمر من خلالها كالضّباب المتكاثف، قشعريرة تدبّ في مساماتها، برودة أنفاسها تلسعها، كأنها خرجت  للتو من الأجداث أو من تحت أنقاض جليدٍ منسيٍّ من عصور غابرة.
وقفت تبكيها، تُناديها أينك؟! لم تغيّر شكلك  ، عودي أيتها الأرواح..من هنا طريق العبور إلى المكان المعلوم، لا تهيمي لا تضيعي ، أناشدك العودة...
بادرتها الرّوح المُنيفة قائلة : "لقد مرّت بمحاذاتك أمواتا و إن سمعت هتافك لن تستجيب لك، لا تبكي أشباح العالم المنسيِّ.!
فلن يأتي بها فصل الرّبيع من جديد كزهور زاهية و لن تحملها  إليك نسائم الخريف كأوراق ذابلة فتنفثين فيها من روحك السّامية فتزهر، و لن تتساقط  عليك غيثا دافئا فتبللَ روحك الغافية فتهبّ لاحتضانها مُجدّدا، ضاعت بوصلتها و ستستمر على هذا النّهج إلى أن تسقط في جبّ الهاوية.
لطالما كشفتُ لك عن أسرارها و حقائقها، فكنت تزدرينني بنظرة مقت و كراهية ؛أنا حقيقتك المُثلى و توأمك الوفيّ، امتطي ظهري  لنحلِّق معا ستكتشفين المخبوء أكثر وضوحا و صفاء.
ردّت الرّوح الهائمة و هي تكفكف دمعها :" ما أُمِرت أن أَتّخذكِ خليلة أيتها الرُّوح المُنيفة؛ عالمك يختلف عن عالمي،و سماؤك أعلى من سمائي  ما أنا إلا روح هائمة في الملكوت و لن أخالف القوانين و الشّرائع؛ إنّي  أخاف يوما عبوسا قمطريرا.. ! رضيت بالحقائق المُغبّشة...!
طارت من ربوتِها و الدّمع يتقاطر من عينيها كشلال منهمر...!
عاشقة الحرف و البنفسج.

حكايا شهرزادية - ماورائيات " حديثُ الأرواح " / بقلم : عائشة زاهر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

« إيكولاليا » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« بيت أمّي » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« موت مؤمّل » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق