( أوكتاف تاسعة ) بـقلم / أحمد نجم الدين ــ العراق

أوكتاف تاسعة
اِنعتاق موسيقي
ـــــــــــــــــــــــــ
ليلة ما قبل البعث؛
هل سأموت اليوم يا إله البرق !؟
لقد رأيتُ أبي في تمام البدر...
سألني يا بُنيّ هل تعلم كيف يبكي الأب؟

في إحدى نوبات صمت البُكاء الحاد؛
أُصبتُ برعشةٍ دماغيّة فوق الصوتيّة عشوائيةِ التّموج...
قلقلة لقلقيّة النّقر بصوتِ طائر الجّرس الاستوائيّ !!
و لشدّة الألم فقدتُ وعيَ توازن صمودي؛
ويكأنّما سقطتُ في ثقبٍ ترابيّ رماديّ الغرق !!
اِنفصمتُ من واقع اليابسة إلى غيبوبةِ السّماء...
رجلٌ من نار من فصيلة اليعسوبيّات !!!
راودتني يمامة قطنيّة ضاحكة بمظهرِ امرأة !!!
تساقطت من الأُفق كـماء !!!
هل ستُطفأُني بحّارةُ الفلك بنفخةِ قُبلة رعديّة؟
أم ستقذفُني أناملُ الغيم كرنفالاً لربيع الموت؟
لرُبّما سأُبعثُ كـنوتاتٍ من فمِ ناي الأشجار...
كـتواشيحٍ تُزيحُ حجاب الحياة من رأس الدُّنيا...
حفيفٌ أندلُسيّ !!
تلكُمُ رقصاتُ هارمونيكا الرّيح...
هاربة إلى كوخٍ بهيئة سلالمٍ ملتهبة الدّق !!
وجهي المُتجهّم يقشّرُ قتامة النور بـحفنةٍ من عتب...
فـيُبان سرابُ الألحاد كأوتار !!
تعزفُني الأكفانُ بـآلةِ الـ قو تشين اليابانيّة النّوح...
تقذفُني إلى سرمدٍ من اِنعتاقٍ موسيقيّ؛
أتسلّلُ كَــسُمٍّ في شريانِ ريحٍ مُبرِقْ !!
تلتحفُني قصباتُ اللّيلِ فـأتحوّل لـساكسُفونٍ كُهيرِبيّ...
لأُحبس في حجرةِ الجّرس بـهيئةِ نوتات !!
فلِـيعزف الكون أنفاسي الأخيرة...
ناقوسُ السّكرات؛
تدقّ بـأكورديونٍ شركسيّ الشّجن !!
فـأتسلّقُ جدار البرزخ مُنفلقاً لحماماتٍ لُؤلُئيّةِ التّشظّي؛
تُلبّسُني الأرواح ديباجاً أخضراً مُرصّعاً بـالفيروز...
تُسيقُني في أنبوبٍ نهريّ حلزونيّ مُجوّف !!
ساجيّ على شكلِ ديدجيريدو...
ينتهي بـفمِ الحوتِ الأزرق؛
و لأنّني أعشقُ البحر بلا ملح !
تُراضيني الطّبيعة؛
فـتزرعُني بشموخٍ في فردوسٍ برمائيّ الغرق.
ذاكرتي الإكلينيكيّة تصطدمُ بهُلام الواقع !!
هدوء الأماكن توقظُ نصف وجه هلال الحُلم...
ستستوطنُني حكايا الجُدران عند عتبةِ العُزلة؛
هل ستُسابقُني أرواحُ البلابُل بـزغاريد الفرح؟
أم سأُزجُّ بـمجرّة دُخّانيّة كُرويّة الدّوران؟
فـأُعيد تاريخ تكويني في غضون نِداء !!
بهيئةِ شموعٍ مُتراصفة العُروج...
يُتمتمُه فم الأرض بأهازيجٍ زجاجيّة الصّدى !!
تخرُج من حُنجرةِ الفراغ خناجر من سديم؛
تُغنّي ليَ الفصولُ أُنشودة الوداع...
فـيبلعُني الضوء و تعصُرُني أمعاءُ الضباب !!!
ثمّ تقذفُني السّماوات في جبّ السّعير.

في سجنٍ زمهريريّ الحرق دام دهراً؛
عُتقتُ كـرماد !!
لطالما خذلتُ الضوء، لأنّني ببساطة قرينُ الظّلال...
فـكيف يتألّمُ الألم؟
لذا كان العقاب كـليلةٍ حمراء فقدت حليب العيش.

أنفاسي المُتخثّرة بالشّوق رَتقت مُقل السّيمفونيات !!
بـقماطِ آلة القانون كُنت أجمعُ ألحان الشّوق؛
من فوّهة الشّفق القُطبيّ إكسيراً للوفاء...
لـيشنُقني فلسفة الحُب؛
بـفنٍّ نصفِ سرياليّ جاحظ على حائط الأرق..
فـتضمحلّ عواطفي في بؤرة السكوت.

بعدما صامت أنسنةُ البوح !!!
بـرشفةِ لبنٍ من صبر...
انبثقت الأجوبة الصّاعقة من لجّة اليقين !!
بـميلادِ الاستيقاظ؛
مخاضُ فمي العسير اطلقت الصيحات البُركانيّة !!
تشظّت نشازُ المزامير كجمراتٍ مُلتهبة
قطّعت الأُذن اليُسرى للأسئلة الميتافيزيقيّة...
عُقفَ صوتُ العوالم !
سكونٌ تام؛
               دبيبُ الأرواح...
     فجأةً !!
أُحْملُ بـكفٍّ ملائكيّ أبويٍّ عملاق؛
أنظُر إلى الأفق وجهُ أبي...
لكن بـهيئةِ ملك الموت !!
يفردُ جناحيه فـتنطفئُ الشّمس؛ 
و من ثمّ الأكوان...
يبقى هو النّور الوحيد؛
يضعُني في فمه...
يستعيرُ بوقَ إسرافيل !!
ثمّ ينفخُني عزفاً زلزليّا كـصيحةِ البعث...
فـيُرسلُني ساجداً كـطفلٍ تحت عرش الرّب !!
وبـاِبتسامةٍ باكيةٍ يقينيّة الاِستجابة أقول؛
دو، ري، مي، فا، صو، لا، سي، دو دو دو...

أحمد نجم الدين - العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

« إيكولاليا » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« بيت أمّي » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« موت مؤمّل » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق