«السّوق العتيق» بـقلم: أحمد نجم الدين / العراق

...
في السّوق العتيق؛
رأيتُ رجلًا كهلًا يبيعُ " الأنتيكات " !
فـاِﻧﺒﻬﺮﺕُ بتُحفهِ الحضاريّة و بأسعارٍ بخسة...
كان مُثقّفًا و حكيمًا،
وجّه لي سِهامًا من أسئلةٍ ثاقبة !
يا بُنيّ أنت مازلت شابًا...
ماذا سـتفعل بهذه الأشياء؟
- المِنفضةُ الفضيّة تُذكّرُني:
  بـماكينة لفّ سجائر أبي و غليونه الأثريّ...
و ماذا عن " اللالة النّفطيّة "؟
- ﺷﻤﻤﺖُ منهُ رائحة كُتب جديّ...
هداني المنفضة و اللالة !
و لم يقبل منيّ ثمنه...
ثمّ قال: اِشترِ بثمنه لعبةً لطفلٍ مسكين.

في السّوق العتيق؛
لم أعد أُحصي الهزائم...
سهواً !!
وفي نيافة التّمشي على حافّة الفقر !
اِمرأة من صلصال، شابة ناصعة البياض...
ساكنةٌ كـالأصنام !
تبيعُ ( ليفة الاِستحمام ) / نظيفةٌ جدًا...
رأيتُ في عينيها الدامعتين ماء الحُزن !
ما ﺍِﺳﺘﻄﻌﺖُ مساعدتها؟
اِنقبض قلبي و اِنكتمت أنفاسي !
ﺍِﺻﻄﻜَﻜﺖُ أسناني كي لا أجهش بـالبُكاء...
و لأنّني أُعاني من نزول ضغط الدّم الانبساطي !
لذا اِنتباه المارّة جعلني أشعرُ بـالإغماء...
ﺍِﺗّﻜﺄﺕُ على صدر الجّدار !
مرّت أمامي طفولتي و مراهقتي،
كشريطٍ مسرحيّ دراميّ...
ثمّ دخلتُ في غيبوبةِ سكونها الرّوحانيّ !
كانت ترتدي فستان درويشةٍ بيضاء...
و ترقصُ على مائدة طعامٍ من جنّة !
استفقتُ لكنّها قد اِختفت.

في السّوق العتيق؛
مرّ من جنبي مجنونٌ يبكي !
و يُغنيّ بصخبٍ و بحركاتٍ غير إنسيّة...
سمعتُ أحدهم يقول:
لا حول ولا قوّة إلّا بالله...
و الآخر يضحك !
تذمّرَ بائعُ أكياس النايلون، فـشَتمَ أحدهُم...
فـاِبتسمت اِمرأة عجوز !
ثمّ قالت: مازالت الدُّنيا بخير.

في السّوق العتيق؛
بائعُ المواد الغذائية:
لم يكن مُهتمًا بتاريخ الانتهاء !
البقال يلبسُ ثوب العفّة...
صليلُ صانع السكاكين:
كأنّها أُغنية مُتمرّدة لـجشع التّجار !
بائعُ المُنظّفات يُردّدُ بـصوتٍ ساخر:
نظّفو قلوبكم أولًا....
ههههههه.

في السّوق العتيق؛
وبعد التّسوق المرير،
أشّرتُ لـ " تاكسي ":
قلتُ له: إلى حيّ الطّين !
فـضحك و قال: تفضّل،
ثمّ سرد لي قصّة حياتهِ التّراجيديّة !
اِحولّت عينيّ من الصُداع...
حتّى وصلت البيت.

أحمد نجم الدين / العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

« إيكولاليا » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« بيت أمّي » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« موت مؤمّل » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق