بين بابين / بقلم : مها ريا

بين بابين:
 أحدهما ، لكثرة ما تورّم  خلفه التّاريخ  صار  موارباً على الذّاكرة  . 
و الآخر ، لكثرة ما دقّوا  عليه  مساميرَ الحدود أصبح مسنوداً على الرّكام .
و ما بينهما ، أفتّش عن موطئ قدم ، في حاضرٍ يجثو على  ركبتيه ، بعينيّ  وحش ،  يرصدُ أدقّ التّفاصيل ليقتنصَ اللّحظةَ المناسبةَ للانقضاض على فريسةٍ  تخشّبتْ أطرافُها ،  و التي هي الأخرى بدورها ، تنتظرُ  فرصتَها لتسحبَ من باطنِ الأرض  نسغاً  كاملاً ترشفُه  دفعةً  واحدةً  و تعلو  في  جوف ورقةٍ  إلى  أعلى غصن ...
 أتكّور  على نفسي ، بعد أن  غشّى بصري غبارُ الحروب ، وصمَّ  أُذنيّ صليلُ السّيوف ، أفتّش عن رأس  إبرةٍ  لأثقبَ ورماً  ابتليتُ  به  منذ الطّفولة .
كم كنت أحبُّ دروسَ التّاريخ !  أحفظها عن ظهر قلب ، كم خضتُ المعاركَ مع أبطالها ، وتسلّقتُ معهم أعاليَ الجبال ، لننصبَ راياتِ الانتصار !

كم كانت تأخذني قصصُ الأوّلين وتفرّدُ أبطالها ! إلى أن  رأيتُهم   يقطفون  بسيوفِهم النّجوم ، وعندما رأيتُ نزيفَها ، عدْتُ  إلى أمّي أرتجفُ من الخوف ، و لمّا سألتني عن السّبب قلت لها:
ألم نجدْ طريقةً  أخرى غير السّيوف لنسحبَ النّجوم من الشّبابيك  كي تنامَ  بيننا؟.
لم تجبْني..!

أمّي يا أمي ، ...
لم  أعدْ أحبُّ  معلّمَ التّاريخ ، و لم أعدْ أحبُّ حكاياتكِ  عن الأبطال ، لأنّهم جميعاً يحملون السّيوف.
صليلُها الذي حجب عنّي صوتَ النّهر ، و النّسيم الذي يمرُّ فوقه ، حاملاً على كفوفه بُنيّاتِ الأزهار اللاتي لمْ  تقوَ  أطرافهنّ  على العوم ، ليعبرَ بهنّ  إلى الضّفة الأخرى. 
كيف سأنجو ؟  و أنا لم  يعدْ  لي  بينهمْ  موطئُ نَفس ! 
ليت الشّعراءَ  يفصّلون  للقصائدِ فساتينَ الفرح!
فوحدها القصائدُ ، من تنجبُ الجمال ، وتعيدُ إلى النّجوم  ألقَها و تموضعَها في السّماء .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

« إيكولاليا » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« بيت أمّي » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق

« موت مؤمّل » بـقلم : أحمد نجم الدين / العراق